اقتصاد غانا: بين التحديات والفرص في سياق التحول الاقتصادي الأفريقي

مقدمة

يُعد اقتصاد غانا من الاقتصادات الصاعدة في القارة الأفريقية، حيث شهد تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، مدفوعًا بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي أثّرت بشكل مباشر على مساره. تنتمي غانا إلى فئة الدول النامية التي تسعى للتحول إلى اقتصاد حديث متنوع، معتمدة على ثرواتها الطبيعية، خصوصًا الذهب، والكاكاو، والنفط، إلى جانب سعيها لبناء بنية تحتية قوية وتطوير قطاع الخدمات. غير أن الاقتصاد الغاني يواجه تحديات عديدة تتراوح بين الدين العام، والتضخم، والبطالة، وضعف التنويع الاقتصادي.

تعكس التجربة الغانية صورة مصغرة للتحولات الجارية في الاقتصادات الأفريقية، وتسلط الضوء على الديناميات الاقتصادية في بيئة تتسم بالتقلبات العالمية، ومحدودية الموارد، والضغوط التنموية. في هذا المقال، سيتم تحليل بنية الاقتصاد الغاني، مصادر دخله الرئيسية، التحديات التي يواجهها، السياسات الاقتصادية المتبعة، وعلاقته بالشركاء الدوليين، بالإضافة إلى استشراف آفاقه المستقبلية.

الخلفية الاقتصادية: نظرة تاريخية

استقلت غانا عن الاستعمار البريطاني عام 1957، وكانت من أوائل الدول الأفريقية التي تنال استقلالها، ما أعطاها ميزة نسبية في محاولة بناء اقتصاد حديث ومستقر. خلال العقود التالية، مر الاقتصاد الغاني بتحولات متباينة، تأرجحت بين الخطط الاشتراكية التي انتهجها كوامي نكروما، والبرامج النيوليبرالية التي بدأت مع تطبيق برنامج التكيف الهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في الثمانينات.

في العقود اللاحقة، اتخذت غانا خطوات تدريجية نحو التحرير الاقتصادي، الخصخصة، وتحسين بيئة الاستثمار، مما ساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحقيق معدلات نمو مرتفعة خاصة في العقد الأول من الألفية الثالثة. لكن هذا النمو كان غالبًا مرتبطًا بقطاعات محددة، ما جعله عرضة للصدمات الخارجية المرتبطة بأسعار السلع العالمية.

البنية القطاعية للاقتصاد الغاني

الزراعة

تعد الزراعة العمود الفقري للاقتصاد الغاني، حيث تسهم بنسبة تقارب 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر فرص العمل لحوالي 33% من القوى العاملة. يتميز هذا القطاع بتنوع منتجاته، وعلى رأسها الكاكاو، الذي تحتل فيه غانا المرتبة الثانية عالميًا بعد ساحل العاج. كما تشمل المنتجات الزراعية الأخرى الذرة، الأرز، الكاسافا، واليام.

رغم مساهمة الزراعة الكبرى في الاقتصاد، إلا أن الإنتاج لا يزال يعتمد على الأساليب التقليدية، ويعاني من ضعف البنية التحتية، وغياب أنظمة الري الحديثة، وتأثير التغيرات المناخية، ما يؤثر على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي.

التعدين والطاقة

يُعد قطاع التعدين من المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، حيث تشتهر غانا بإنتاج الذهب، وتحتل المرتبة الأولى في أفريقيا والمرتبة السادسة عالميًا في هذا المجال. كما تنتج غانا كميات كبيرة من البوكسيت والمنغنيز. يمثل الذهب أكثر من 90% من صادرات المعادن في البلاد.

في العقد الماضي، اكتشفت غانا كميات كبيرة من النفط والغاز قبالة سواحلها، وبدأت في إنتاج النفط تجاريًا عام 2010 من حقل “Jubilee”. أسهم النفط في تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية، إلا أن التقلبات في الأسعار العالمية أثرت سلبًا على استقرار الإيرادات.

الصناعة

يعاني القطاع الصناعي في غانا من ضعف البنية التحتية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وغياب التكنولوجيا الحديثة. تركز الصناعات على التصنيع الخفيف، مثل المواد الغذائية، والمنسوجات، والمشروبات، بالإضافة إلى معالجة المنتجات الزراعية والمعادن. تبذل الحكومة جهودًا لتعزيز هذا القطاع ضمن خطة “التصنيع من أجل التوظيف”، وتشجيع التصنيع المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات.

قطاع الخدمات

أصبح قطاع الخدمات المحرك الأكبر للنمو في السنوات الأخيرة، حيث يسهم بأكثر من 45% من الناتج المحلي الإجمالي. يشمل هذا القطاع التجارة، الاتصالات، الخدمات المالية، النقل، والسياحة. وقد ساهمت التحسينات في البنية التحتية الرقمية في تطور قطاع الاتصالات والخدمات المصرفية الرقمية.

الجدول التالي يوضح مساهمة القطاعات الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023:

التجارة الخارجية

تعتمد غانا بشكل كبير على تصدير السلع الأولية، وخاصة الذهب، والكاكاو، والنفط، وهي سلع تشهد أسعارها تقلبات حادة في الأسواق العالمية، ما يجعل الميزان التجاري عرضة للتقلب. تستورد غانا المعدات الصناعية، والوقود المكرر، والمواد الغذائية، ما يجعلها تعاني من عجز تجاري في بعض الفترات.

تشمل أهم شركاء التصدير كلاً من الصين، والهند، وسويسرا، والإمارات، والولايات المتحدة. بينما تأتي الواردات بشكل رئيسي من الصين، ونيجيريا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

السياسات الاقتصادية والإصلاحات

قامت الحكومات المتعاقبة في غانا بتطبيق عدد من السياسات الرامية إلى تنويع الاقتصاد وتحسين الأداء المالي، خصوصًا في ظل الضغوط التي فرضها تراكم الدين العام. وتشمل هذه السياسات:

• برنامج التثبيت الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، الذي تضمن إصلاحات مالية ونقدية تهدف إلى تقليص عجز الميزانية وضبط التضخم.

• مبادرة “غانا ما بعد المعونة” (Ghana Beyond Aid)، وهي رؤية وطنية تهدف إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعزيز الإنتاج المحلي والصناعات التحويلية.

• الاستراتيجية الصناعية الشاملة التي تستهدف زيادة الإنتاج المحلي وتحقيق التكامل الصناعي.

غير أن تنفيذ هذه السياسات يواجه تحديات كضعف الكفاءة المؤسسية، والفساد، والتقلبات السياسية، ما يؤثر على فاعلية الإصلاحات ويحد من تحقيق الأهداف المرجوة.

التحديات الاقتصادية

التضخم وسعر الصرف

شهدت غانا في السنوات الأخيرة معدلات تضخم مرتفعة وصلت إلى أكثر من 40% في بعض الفترات، نتيجة لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وانخفاض قيمة العملة المحلية (السيدي الغاني). أثر ذلك على القوة الشرائية للمواطنين، وزاد من كلفة المعيشة، وأربك السياسات النقدية للبنك المركزي.

الدين العام

يُعد الدين العام من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الغاني، حيث تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حاجز 90% في بعض التقديرات، مما دفع الحكومة إلى إعادة جدولة الديون والبحث عن تمويلات بديلة. هذا الوضع يفرض ضغوطًا كبيرة على الميزانية العامة، ويقلل من قدرة الدولة على الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية.

البطالة والبطالة المقنعة

تشير التقديرات إلى أن معدلات البطالة، خصوصًا بين الشباب، تتجاوز 12%، في حين ترتفع نسبة البطالة المقنعة في القطاع الزراعي. لا يزال خلق فرص العمل يمثل أولوية قصوى للحكومة، مع التأكيد على ضرورة ربط التعليم بسوق العمل وتوفير برامج تدريب مهني.

الفساد والحوكمة

تُعتبر قضايا الفساد وضعف الشفافية من العوائق التي تعرقل النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات. رغم وجود مؤسسات رقابية وتشريعات لمكافحة الفساد، إلا أن فعالية تنفيذ هذه السياسات لا تزال محل جدل واسع.

التكنولوجيا والابتكار

بدأت غانا، خلال السنوات الأخيرة، في اتخاذ خطوات جادة لتعزيز الاقتصاد الرقمي والابتكار التكنولوجي، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا المالية، والتعليم الإلكتروني، والزراعة الذكية. كما لعبت المبادرات الناشئة في مجال ريادة الأعمال دورًا في توفير حلول مبتكرة لبعض التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

تسعى الحكومة إلى تحويل العاصمة أكرا إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا، من خلال دعم الحاضنات الرقمية، وتوفير الحوافز للمستثمرين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتحسين البنية التحتية الرقمية.

موقع غانا في مبادرة منطقة التجارة الحرة الأفريقية (AfCFTA)

تلعب غانا دورًا محوريًا في تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث تستضيف سكرتارية المبادرة في عاصمتها أكرا. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز التجارة البينية بين الدول الأفريقية، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية. تمثل هذه الخطوة فرصة لغانا لتوسيع صادراتها، وتنمية صناعاتها المحلية، وتعزيز مكانتها الإقليمية.

التطلعات المستقبلية

تعتمد آفاق الاقتصاد الغاني على قدرة الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المالية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع القاعدة الإنتاجية. كما أن تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وربط التعليم بسوق العمل، وتحسين البنية التحتية، تعتبر من الشروط الضرورية لتحقيق نمو شامل ومستدام.

ينبغي على غانا أيضًا أن تعزز من صمودها أمام الصدمات الخارجية، خصوصًا من خلال زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الزراعية، والبنية التحتية الرقمية. يمثل التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار الطريق الأمثل لتعزيز التنمية الشاملة.

المراجع

1. International Monetary Fund (IMF) – Ghana Country Report, 2023

2. Ghana Statistical Service – Annual GDP Report, 2023